
لم تترك جائحة كورونا مجالاً إلا وتركت فيه أثرًا. قطع الفيروس سلاسل الإمداد فتصدع الاقتصاد العالمي وانكمش بنحو 4,4%، متجاوزًا تداعيات اقتصادية سببتها أزمات سابقة؛ بداية من انهيار أسواق الأسهم وانخفاض أسعار السلع والأصول خلال الكساد الكبير عام 1929، وصولاً إلى إفلاس قرابة العشرين بنك في أمريكا وأوربا وآسيا وتصدع المئات خلال الأزمة المالية 2007-2008.
على مستوى منطقة الشرق الأوسط، جاءت المؤشرات صادمة؛ انكماش بمقدار (5,7%). وحدها استطاعت مصر تحقيق نمو إيجابى قدره (3,5%)، فيما لم تسلم دولة من انخفاض صادراتها. يهدد استمرار تراجع النمو المرتبط بالتجارة اقتصادات الدول الناميةبشكل مباشر ، وخاصة تلك المعتمدة على مورد أساسي واحد كالبترول في الخليج.
عالميًا، لم تستطع القطاعات منخفضة المرونة مواجهة الأزمة، قطاع السياحة كان الأكثر تضررًا، انخفض بحوالى 80%، وبالتبعية قطاع النقل، وخاصة شركات الطيران. خلفت الأساطيل العملاقة خسائر فادحة، قَيَمَ اتحاد النقل الجوي الدولي، IATA، تراجع إيرادات شركات الطيران بأكثر من 60%، مقارنة بعام 2019.
وحدها، استطاعت القطاعات المرنة تحقيق قفزات إيجابية، بلغت قيمة شركات التقنية؛ جوجل، آبل، فيسبوك، مايكروسوفت، وأمازون 4 تريليون دولار، الأربعة الأُول منها تعتمد على صناعة البرمجيات و الأصول الفكرية.
تصدر قطاع التكنولوجيا المشهد بإجمالي استثمارات تفوق 130 مليار دولار مع توقعات بمواصلة الصعود، وارتفعت مستويات التجارة الإليكترونية بنسبة 48% في الفترة من منتصف عام 2019 إلى منتصف عام 2020 متأثرة بزيادة الطلب على الخدمات عن بعد، مِثلْ قطاعى الترفيه والتسوق.
صار العمل والاجتماعات فى بيئة افتراضية أمرًا معتادًا، بل ووسيلة لخفض النفقات وزيادة انتاجية العاملين. فى أبريل الماضى، شارك أكثر من ثلاثمائة مليون شخص خلال فى اجتماعات عبر تطبيق Zoom، ونحو 75 مليون آخرين عبر تطبيق Microsoft Teams، لتتجاوز معها عائدات شركاتهما أضعاف ما حققتاه العام الماضى.
ويكمن التحدى الأكبر في سبل مواجهة الموجة الثانية من الفيروس، وماذا لو امتدت لمدة أطول.
قدر استطاعتها، دمجت الشركات نظم التكنولوجيا فى نسيجها، وتوسعت مصانع الملابس والكيماويات فى تقديم مستلزمات الوقاية والتطهير. لكن التحلى بالمرونة ليس بالأمر السهل على قطاعات النقل الجوى والسياحة، حتى مع طرح العديد من اللقاحات.
فى أحد لقاءاته التليفزيونية، طرح الاقتصادى الكبير، الدكتور محمد العريان، رؤيته لمواجهة الأزمة ناصحًا الشركات الاعتماد على محورين رئيسيين؛ الأول دفاعى والثانى هجومى.
يشمل المحور الدفاعى ما تمتلكه الشركات من أصول سواء مادية؛ آلات وممتلكات ومواد خام، أو فكرية مثل براءات الاختراع والملكية الفكرية. ليصبح الشاغل الأول كيفية المحافظة على القيمة السوقية لتلك الأصول وحمايتها ضد تقلبات السوق ومحددات جائحة كورونا؛ مثل مراعاة الإجراءات الاحترازية وخفض أعداد العمالة حال ارتفاع معدلات الإصابة بالفيروس، إلى جانب تأمين سلاسل الإمداد بقطع الغيار مختلفة المنشأ، فضلا عن التوسع في خطط تسويق منتجاتها.
فى حين يركز محور الهجوم على الاستثمار المستقبلى سواء عبر الاستحواذ على مزيد من الأصول من جهة، خاصة التى انخفضت قيمتها بتأثير الجائحة، أو ضخ مزيد من الاستثمارات فى مشروعات جديدة للاستفادة من وفرة التمويلات وتوافر السيولة، مع التقييم الدقيق لمستويات المخاطر إذا امتد تأثير الفيروس لمدد أطول.
ويؤكد الدكتور العريان أن التحدى الذى تواجهه الشركات يكمن فى امتلاك مستويات مرونة تمكنها من التحول بين خطى الدفاع والهجوم بسهولة ويسر، ودون تحميل ميزانياتها أعباء مالية إضافية، وهو ما يتطلب أطرًا قانونية تستجيب لسرعة المتغيرات وكوادر بشرية ذات فاعلية وكفاءة.